موسوعة نور الرحمن موسوعة نور الرحمن
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

قصة أيوب عليه السلام



كان أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام- نبياً مرسلاً كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾[النساء:163].وكان عليه السلام كثير المال والولد فَسُلِبَ منه ذلك كله، وابتلى في جسده بأنواع البلاء فصبر صبراً جميلاً حتى سار صبره مضرب الأمثال، وقد حكيت حول قصته حكايات شعبية لا أساس لها من الصحة ولا تمت إلى الواقع بصلة.
وقد يكون لبعض هؤلاء القصاص المعاصرين ومن سبقهم بعض العذر في ذلك لأن كثيراً من كتب التفسير قد مُلئت بأخبار نقلوها عن أهل الكتاب ما أنزل الله بها من سلطان، يمجها الذوق السليم ويأباها العقل الواعي.
ونحن لا نتعرض لذكر هذه الحكايات التي أوردها المفسرون في كتبهم ولكننا نقف عند نصوص القرآن ولا نعدوها إلى غيرها إلا بالقدر الذي يعيننا على فهمها فنقول: ذكر الله قصة هذا النبي الصبور في سورة الأنبياء، وسورة ص فأجمل وفصّل، فما أجمله في موضع الآخر.
فقال: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء:83]، والضُر هو أشد أنواع البلاء، وقد فسره الله بقوله في سورة ص: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص:41]، والنصب: هو أشد التعب، والعذاب: هو أشد الألم.
ونفهم من هذا أن أيوب قد مرض مرضاً شديداً موجعاً لكنه غير مُنفر؛ لأن الأنبياء منزهون عن الأمراض المنفرة وغيرها من المناظر والعادات- كما هو معلوم من كتب العقيدة- فكيف يقال: إنه مَرِضَ مرضاً عضالاً حتى أكل الدود من جسمه، ونفر منه قومه وألقوه في زبالة كانت لهم!! إن هذا لمُنكرٌ من القول وزور.
ويقول الله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ﴾ [الأنبياء:84].
ويبين في سورة (ص) الكيفية التي كشف بها ضُره فيقول: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص:42]، أي استجبنا له دعاءه فأمرناه أن يضرب الأرض برجله، فضربها فانبعثت منها عين ماء، وأشرنا عليه أن يغتسل منها ويشرب، فلما اغتسل منها وشرب برئ من أدوائه كلها، وصار سليماً معافى كأن لم يكن به علة، فكان دواؤه تحت قدميه وأقرب شيء إليه، ولكن لكل أجل كتاب.
وقال: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:84]، وقال: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ﴾ [ص:43]، ففي كل من الآيتين إجمال وتفصيل.
فآية (ص) تدل على أن الإتيان هبة من لدنه، وهبة الأهل ومثلهم معهم في العدد لا يكون إلا بأن يتزوج أيوب بنساء كثيرات من الأولاد ضعف العدد لا يكون إلا بأن يتزوج أيوب بنساء كثيرات فينجب من الأولاد ضعف العدد الذي مات، لا أن الله أحياهم له بعد موتهم كما يقول القصاص، فهذا أمر لم يُنص عليه في الآية.
ولفظ الهبة يدل على أن الموهوب شيء لم يكن بيد الموهوب له من قبل، فهو لفظ يستعمل في المنح المتجددة، كما قال جل شأنه: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ﴾ [الشورى:49].
وهذه القصة وصفت في سورة الأنبياء بأنها ذكرى للعابدين، ووصفت في سورة (ص) بأنها ذكرى لأولي الألباب، لبيان أن العابدين هم أولو الألباب، لأنهم عرفوا الله فعبدوه واستمروا في عبادته وطاعته مخلصين له الدين.
وزادت سورة (ص) على ما في سورة الأنبياء أمراً آخر له تعلق بالقصة وفيه بيان ليسر الدين الذي ارتضاه الله لعباده وفطرهم عليه، فقد روى أن أيوب عليه السلام قد حلف ليضربن امرأته مائة سوط لخطأ وقعت فيه، ليس لنا أن نسأل عنه، فقال: إن شفاني الله لأضربنك مائة سوط، فلما شفاه الله، عَزَّ عليه أن يضربها وقد زال ما به من الغضب وأتم الله عليه النعمة، والعفو نوع من أنواع الشكر ولاسيما إذا كان العفو في محله، فجعل الله له من هذا الحرج مخرجاً، فأمره أن يأخذ حزمة من سعف النخل بها مائة سعفة فيضربها بها إبراراً بقسمه.
قال تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص:44].
لقد أعطى أيوب عليه السلام فشكر، وابتلى فصبر، فكان مثلاً لخيار الشاكرين والصابرين.
ويبتلى الناس بقدر إيمانهم، فيكون البلاء تطهيراً لهم، وتمحيصاً لقلوبهم، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه».
• المصدر: قصص القرآن الكريم: د. بكر إسماعيل.

عن الكاتب

Admin

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Translate

إحصاءات الموسوعة

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

موسوعة نور الرحمن