موسوعة نور الرحمن موسوعة نور الرحمن
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

المراحل التي مر بها علم القراءات



المرحلة الأولى:تلقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- القراءات كما يتلقى سائر القرآن عن طريق جبريل -عليه السلام- وأمره الله تعالى أن يقرأ على الناس: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}و {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}.
فبلغه الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق التبليغ، وكان يقرؤهم القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشى، وربما أقرأ صحابيًّا بحرف وأقرأ آخر بحرف آخر، وكان كل صحابي يقرأ بما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يقرئ بعضهم بعضًا، فكان إذا أسلم رجل دفعه إلى أحد الصحابة ليعلمه القرآن، وكان يرسل بعض أصحابه إلى القبائل لتعليمهم القرآن، وإذا هاجر رجل إلى المدينة دفعه الرسول -صلى الله عليه وسلم إلى من يحفظه القرآن؛ وبهذا تكونت جماعة من الصحابة عرفت بالقراء، وحفظ القرآن عدد كبير من الصحابة.
المرحلة الثانية:
بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ارتدت كثير من قبائل العرب، فجهز الخليفة أبو بكر رضي الله عنه الجيوش لقتال المرتدين، وقتل في هذه الحروب عدد كبير من القراء؛ خشي الصحابة أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حفظته، فجمعوه في مصحف واحد بجميع قراءاته.
المرحلة الثالثة:
بعد القضاء على المرتدين وانتهاء حروب الردة، اتجهت جيوش المسلمين لنشر الإسلام، فدخل في الإسلام أمم مختلفة، وانتشر الصحابة -رضي الله عنهم- في البلدان المفتوحة يعلمون أهلها القرآن، وكان كل صحابي يعلم القرآن حسبما تلقاه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم اختلف النقل في التابعين وتلاميذهم وكثرت القراءات وتنوعت وتلقاها عدد كبير من التابعين.
المرحلة الرابعة:
أن جماعة من التابعين وتابعي التابعين كرسوا حياتهم، وقصروا جهودهم على قراءة القرآن وإقرائه، وتعليمه وتلقينه، وعُنوا العناية كلها بضبط ألفاظه، وتجويد كلماته، وتحرير قراءاته، وتحقيق رواياته، وكان ذلك شغلهم الشاغل وغرضهم الهادف حتى صاروا أئمة يقتدى بهم، ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم، وأجمع المسلمون على تلقي قراءاتهم بالقبول، ولم يختلف عليهم اثنان، ولتصديهم للقراءة وجمعهم لها نسبت إليهم.
قال القسطلاني: "ثم لما كثر الاختلاف فيما يحتمله الرسم، وقرأ أهل البدع والأهواء بما لا يحل لأحد تلاوته، وفاقًا لبدعتهم، كمن قال من المعتزلة: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: الآية 164] بنصب الهاء، ومن الرافضة {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ} [الكهف: الآية 51] بفتح اللام، يعنون أبا بكر وعمر، رأى المسلمون أن يجمعوا على قراءات أئمة ثقات تجردوا للاعتناء بشأن القرآن العظيم، فاختاروا من كل مصر وجه إليه مصحف أئمة مشهورين بالثقة، والأمانة في النقل، وحسن الدراية، وكمال العلم، أفنوا عمرهم في القراءة والإقراء، واشتهر أمرهم وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم فيما نقلوا، والثقة فيما قرؤوا ولم تخرج قراءتهم عن خط مصحفهم".

قال ابن الجزري: "ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم، إنما هو من حيث إنه كان أضبط له، وأكثر قراءة وإقراءً به، وملازمة له، وميلًا إليه، لا غير ذلك. وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتها المراد بها: أن ذلك القارئ، وذلك الإمام اختار القراءة لذلك الوجه من اللغة، حسب ما قرأ به فآثره على غيره، وداوم عليه، ولزمه، حتى اشتهر وعرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة: إضافة اختيار، ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد"1.
وكثر عدد القراء في الأمصار واشتهر في كل مصر عدد منهم:
ففي مكة:
مجاهد بن جبر، طاوس بن كيسان، عطاء بن أبي رباح، عكرمة مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- ابن أبي مليكة وغيرهم.
وفي المدينة:
سعيد بن المسيب: عروة بن الزبير، عمر بن عبد العزيز، ابن شهاب الزهري، زيد بن أسلم، سليمان وعطاء ابنا يسار، وسالم بن عبد الله بن عمر وغيرهم.
وفي الكوفة:
علقمة بن قيس، مسروق بن الأجدع، أبو عبد الرحمن السلمي، والنخعي، والشعبي، وعمرو بن شرحبيل، والأسود بن يزيد، وسعيد بن جبير، وغيرهم.
وفي البصرة:
الحسن البصري: ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دعامة السدوسي، ونصر ابن عاصم، ويحيى بن يعمر، وأبو العالية الرياحي، وجابر بن زيد، وأبو رجاء العطاردي وغيرهم.
وفي الشام:
المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان، وخليفة بن سعد صاحب أبي الدرداء، ويحيى بن الحارث الذماري، وعطية بن قيس الكلابي وغيرهم.
وغير ذلك كثير من القراء، حتى أصبحت القراءات وجمعها والعناية بها علمًا مستقلًّا كعلوم الشريعة الأخرى.
تسبيع السبعة:
وكما رأيت فإن القراء بلغوا المئات بل الآلاف من القراء الحفاظ المتقنين، وقد تصدى عدد من العلماء للكتابة والتأليف عن القراء، فألف أبو عبيدة "ت224هـ" كتابًا جمع فيه قراءات خمسة وعشرين قارئًا. وألف أحمد بن جبير الأنطاكي "ت258هـ" كتابًا جمع فيه قراءات خمسة من القراء، وألف أبو بكر الداجاني "ت324هـ" كتابه الثمانية، وألف ابن جرير الطبري "ت324هـ" كتابه "القراءات" وذكر فيه أكثر من عشرين قارئًا، وألف غيرهم كثير، إلا أن هذه المؤلفات لم تنتشر أو تشتهر.
فلما ألف أحمد بن مجاهد "ت324هـ" كتابه "السبعة" واقتصر فيه على جمع المتواتر من قراءات سبعة من القراء، وكان هو نفسه حجة في القراءات وإمامًا ثقة ثبتًا، اشتهر كتابه وحظي بالقبول، وتداوله العلماء، واشتهر هؤلاء السبعة حتى توهم بعض الناس أن القراء سبعة، وأن القراءات سبع، وزاد التوهم فاعتقد آخرون أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة!!
وأخذ بعض العلماء على ابن مجاهد اختياره للسبعة؛ لما في ذلك من الإيهام، فقال أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي: "لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له، وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر؛ "أي حديث الأحرف السبعة" وليته إذا اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة".
وقال القراء في الشافي "التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين، فانتشر وأوهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك، وذلك لم يقل به أحد".
وقد علل مكي بن أبي طالب "ت437هـ" سر اختيارهم سبعة فقال: ليكونوا على وفق مصاحف الأمصار السبعة، وتيمنًا بأحرف القرآن السبعة، ثم قال: على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمنع ذلك؛ إذ عدد القراء أكثر من أن يحصى.
وقد دافع كثير من العلماء عن ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- في ذلك بأنه لم يقتصر على هؤلاء السبعة إلا بعد اجتهاد طويل ومراجعة متأنية في الأسانيد الطوال، وكان موفقًا في اختياره الذي حظي بموافقة جمهور العلماء والقراء وتأييدهم؛ حيث إن كثرة الروايات في القراءات أدت إلى ضرب من الإضراب عند طائفة من القراء غير المتقنين، فقد حاول بعضهم أن يختار من القراءات لنفسه خاصة فينفرد بها، فقطع ابن مجاهد عليهم الطريق، ودرأ عن القراءات كيدهم، وعن القراء اضطرابهم، ومما يدل على نزاهته -رحمه الله- وحسن قصده أنه لم يسع إلى أن يختار لنفسه قراءة تحمل عنه، وحين سئل عن ذلك أجاب: "نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى علينا أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا".
وقد أطلت الحديث عن هذه المرحلة لأهميتها، وكثرة المؤلفات والقراء، واتساع علم القراءات فيها.
المرحلة الخامسة- مرحلة التدوين في القراءات:
اختلف العلماء في أول من ألف في علم القراءات، وذهب الكثيرون إلى أن أول من ألف في علم القراءات هو أبو عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ"، وقال ابن الجزري: إنه الإمام أبو حاتم السجستاني "ت255هـ" وقيل: يحيى بن يعمر "ت90هـ".
ثم ازدادت المؤلفات في القرن الثالث، وبلغت ذروتها في القرنين الرابع والخامس، ثم فتر التأليف بعد ذلك حتى القرن التاسع حيث قل التصنيف وصارت جهود العلماء تكاد أن تنحصر على شرح منظومة الشاطبي "ت590هـ".
ومن أهم المؤلفات في القراءات قديمًا وحديثًا:
وهي كثيرة جدًّا لا يمكن استيفاؤها ولا يسعنا إلا ذكر النزر اليسير منها:
1- السبعة: لأبي بكر أحمد بن محمد بن مجاهد "ت324هـ"، وقد طبع بتحقيق د. شوقي ضيف.
2- التذكرة في القراءات الثمان: لابن غلبون "ت399هـ"، طبع بتحقيق أيمن سويد في مجلدين.
3- المبسوط في القراءات العشر: لأبي بكر بن مهران "ت381هـ" طبع في مجلد واحد بتحقيق سبيع حمزة حاكمي.
4- الكشف عن وجوه القراءات السبع لأبي محمد مكي بن أبي طالب "ت437هـ".
5- التيسير في القراءات السبع: لأبي عمرو الداني "ت444هـ" طبع في مجلد واحد.
6- الإقناع في القراءات السبع: لأبي جعفر ابن الباذش "ت540هـ"، طبع بتحقيق د. عبد المجيد قطامش في مجلدين.
7- حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة بـ"الشاطبية"، وهي منظومة للإمام القاسم الشاطبي "ت590هـ" نظم فيها كتاب التيسير للداني، وشرحها عدد من العلماء وطبعت كثيرًا.
8- الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع: عبد الفتاح القاضي "ت1403هـ".
9- معرفة القراء الكبار: لأبي عبد الله الذهبي "ت748هـ"، طبع في مجلدين بتحقيق محمد سيد جاد الحق.
10- غاية النهاية في طبقات القراء: لابن الجزري "ت833هـ"، طبع في مجلدين، واعتنى به المستشرق ج. برجستراسر.
* المصدر: دراسات في علوم القرآن الكريم: أ. د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي.

عن الكاتب

Admin

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Translate

إحصاءات الموسوعة

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

موسوعة نور الرحمن