إن في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي نزلت ابتداء بدون سبب , وإذا تأملنا وجدنا أن معظم ما نزل ابتداء بدون سبب إنما هو من نوع الوصف والإخبار , وأن معظم ما نزل بسبب هو من نوع الأوامر والنواهي والتوجيه والإرشاد .
وهذه الظاهرة تدلنا على الحكمة في هذا الأمر .
فهذا النوع الثاني من الآيات ـ وهو ما نزل بسبب ـ إنما شأنه تحويل الناس إلى الأفضل وإبعادهم عن السيئ والقبيح , وهدايتهم إلى الأقوم .
ومن المعلوم أن الأفكار التوجيهية والأحكام التشريعية تكون نظرية إذا كانت بعيدة عن الارتباط بوقائعها الحياتية العملية . ولن تجد وسيلة من أجل ترسيخ حكم من الأحكام في الأذهان خيراً من أن تعرضه على الناس عند الحاجة إلى تطبيقه , وهي طريقة تربوية رائعة .
فمن أجل ذلك قدم القرآن الكريم إلى الناس أحكامه التشريعية وتوجيهاته الأخلاقية مقسمة على الوقائع والأحداث , أو الأسئلة والاستشكالات , حتى تمتزج هذه الأحكام مع الوقائع وتنغرس في نفوس الناس عند تطبيقها , فيكون ذلك أدعى لحفظها وأبين لقيمها وصلاحيتها .
أما النوع الأول من الآيات وهو ما يتعلق بوصف القيامة والجنة والنار وذكر القصص , فليس الشأن فيها متوقفاً على ما ذكرناه , فلا فرق في تبليغها للناس وإخبارهم عنها بين أن تنزل آياتها ابتداء بدون سبب أو بسبب .