موسوعة نور الرحمن موسوعة نور الرحمن
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

شروط المفسر وآدابه

ورد النهي عن القول في القرآن بغير علم والوعيد الشديد على من اجترأ على ذلك، ولذلك وضع العلماء شروطًا لمن أراد أن يفسر القرآن ليخرج من هذا الوعيد ويصبح من أهل التفسير والتأويل.

ولا عجب أن يكون للمفسر شروطًا بل العجب أن يجترئ على كلام الله كل من هب ودب.
وكم يحز في النفس حين نرى كثيرًا من الناس يجترئون على تفسير القرآن بغير علم ولا يحسبون لذلك حسابًا فلا تتلكأ ألسنتهم، ولا تَوْجَفُ قلوبهم وكأنهم قد أحاطوا بالقرآن علما، وأصبح من مداركهم القريبة، ومن معارفهم الدانية.
وكم من رجل منهم فسر آية لو عرضت على أبي بكر -رضي الله عنه- لقال: "أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي أو بما لا أعلم"، وإن أحدهم ليفسر الآية ولو سمعه عمر -رضي الله عنه- لقرعه بدرته.
وقد يقول قائل لم وضع العلماء هذه الشروط؟ أليس القرآن للناس كافة وتدبره واجب على الجميع؟ ونقول لهذا وأمثاله نعم إن تلاوة القرآن حق لكل مسلم، لكن تفسيره للناس وبيانه لهم ليس حقا لكل إنسان، كأي علم آخر، فالطب مثلا حق لكل إنسان أن يدرسه لكن علاج الناس ليس حقا لكل إنسان إلا إذا درس علم الطب وحذقه، فما بالنا نصرخ في وجوه أدعياء الطب ونستعدي عليهم السلطة، ولا ننهر المجترئين على تفسير كلام الله وهم ليسوا من أهل التفسير.
ومجمل الشروط التي وضعها العلماء للمفسر هي:
شروط المفسر:
أولًا: سلامة العقيدة:
فإن من انحرفت عقيدته يعتقد رأيا ثم يحمل ألفاظ القرآن عليه وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين، فإذا فسر القرآن أوَّل الآيات التي تخالف مذهبه الباطل، وحرفها حتى توافق مذهبه، ومثل هذا لا يطلب الحق فكيف يُطلب منه! ومن هؤلاء فرق الخوارج والروافض والمعتزلة وغلاة الصوفية وغيرهم.
ثانيًا: التجرد عن الهوى:
فإن الهوى يحمل صاحبه على نصرة مذهبه ولو كان باطلا، ويصرفه عن غيره ولو كان حقا.
ثالثًا: أن يكون المفسر عالما بأصول التفسير:
وذلك أن أصول التفسير بمثابة المفتاح لعلم التفسير، فلا بد للمفسر أن يكون عالما بالقراءات والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ونحوها.
رابعًا: أن يكون عالما بالحديث رواية ودراية:
إذ إن أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي المبينة للقرآن، بل قد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مما فهمه من القرآن".
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "السنة تفسر القرآن وتبينه".
خامسًا: أن يكون عالمًا بأصول الدين:
وهو "علم التوحيد" حتى لا يقع في آيات الأسماء والصفات في التشبيه أو التمثيل أو التعطيل.
سادسًا: أن يكون عالمًا بأصول الفقه:
إذ به يعرف كيف تستنبط الأحكام من الآيات، ويستدل عليها، ويعرف الإجمال والتبيين، والعموم والخصوص، والمطلق المقيد، ودلالة النص وإشارته ودلالة الأمر والنهي.. وغير ذلك1.
سابعًا: أن يكون عالمًا باللغة وعلومها:
كالنحو والصرف والاشتقاق، والبلاغة بأقسامها الثلاثة "المعاني والبيان والبديع".
ذلكم أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وهذه العلوم مما يتوصل بها إلى معرفة المعنى وخواص التركيب ووجوه الإعجاز فيه.
وهذه الشروط -كما ترى- عزيزة المنال ولهذا تحرج كثير من السلف من القول في القرآن بغير علم لتمكن الإيمان من قلوبهم واستحضارهم الخوف من الله تعالى، وإذا رأيت من يجترئ على القول في القرآن بغير علم فاعلم أنه من نقص إيمانه، والله المستعان.
آداب المفسر:
وكما أن للمفسر شروطا فإن له آدابا ينبغي عليه الالتزام بها وهي كثيرة منها:
1- الإخلاص:
بأن يريد بعمله وجه الله، وأن يطلب رضاه، ولا يبتغي بذلك جاها ولا منصبا، فإن ابتغى غير ذلك ضل وأضل.
2- العمل:
فإنه إذا دعا إلى خير فعليه أن يكون أول المؤدين له حتى يلقى القبول من الناس، وإذا نهى عن أمر وجب أن يكون تاركا له نابذا إياه، فإن الناس إذا رأوه يأمر ولا يفعل وينهى ولا يمتثل نفروا عنه وعن أقواله وإن كانت حقاً.
3- حسن الخلق:
في قوله وفي فعله وفي سمته، فإن هذا مما يجذب النفوس إليه, وإذا انجذبت إليه أقبل عليه السمع والبصر.
فعليه أن يلتزم حسن الخلق في قوله وعباراته فيلزم الكلمة الطيبة ويحذر الكلمات النابية التي ينفر منها السامع ويفزع. وأن يتحرى الصدق في سائر أقواله حتى يطمئن الناس إليها فإنهم إذا جربوا عليه كذبا اضطرب عندهم سائر كلامه.
وعليه أن يلتزم حسن الخلق في فعله فيتواضع لمن هم دونه مقامًا ولا يتعالى فلا تطاله أيديهم فلا يستفيدون من علمه، وأن تكون نفسه عزيزة فيترفع عن سفاسف الأمور والتذلل لأصحاب المال أو الجاه فإن العامة إذا رأوا تهافته على ذلك سقط من أعينهم. وعليه أن يجهر بالحق ولا يكتمه فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
ومن حسن الخلق أن يقدم من هو أولى منه وأن يوقرهم حضورا كانوا أو غائبين فلا يغمط أقوالهم حقها بل يظهرها ويعترف بفضلها ومزيتها، ولا يقدم قوله عليها، لا ينكر سبقهم له إلى رأي رآه، أو قول يقول به.
وعليه أن يلتزم حسن الخلق في سمته بأن يلبس لباس العلماء ويتزيا بزيهم، ويلتزم الوقار في جلوسه ووقوفه ومشيته دون تكلف، ولا يحضر مجالس لهوهم، وأن يتأنى في حديثه حتى يفهم الناس عنه قوله فلا يضطرهم إلى كثرة الاستفسار والجرأة على قطع حديثه. والله المستعان.
* المصدر: دراسات في علوم القرآن الكريم: أ. د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي.

عن الكاتب

Admin

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

Translate

إحصاءات الموسوعة

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

موسوعة نور الرحمن